الجمعة، 12 يونيو 2015

الآثار الصحية السيئة للإسراف في الطعام و الشرا


بقلم الدكتور محمد نزار الدقر

يؤدي الشره (14) وتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عن طاقة تحمل المعدة إلى ما يسمى بالتخمة والتي تفضي إلى عسر الهضم وكثرة الغازات وأوجاع الشرسوف واحتقان الكبد . والتخمة الشديدة يمكن أن تؤدي إلى توسع المعدة الحاد والتي تسبب ضغطاً شديداً على القلب مما يعيق العود الوريدي إليه فتحصل عسرة في التنفس واضطراب في ضربات القلب وتسوء حالة المريض وقد تنتهي بالموت (9).

والتخمة المزمنة تؤدي (13) إلى تمدد المعدة والأمعاء وإلى ضمور في بطانتها وغددها المفرزة للعصارة الهضمية فيحصل الإمساك المزمن وعسرات الهضم والانسمام الغذائي المزمن وما ينجم عنه من وهن عصبي .

والإسراف في الطعام يسبب عند المستعدين عدداً كبيراً من أمراض التغذية كالبدانة والنقرس والداء السكري ، كما تزيد عندهم نسبة الإصابة بأمراض القلب وقصوراته .

فالطعام الزائد عن حاجة الجسم يتراكم على شكل دهون تترسب تحت الجلد وحول الأمعاء وفي الكبد وحول القلب حيث تحدث عبئاً كبيراً عليه .

وتتصلب العروق ويرتفع الضغط الدموي وتكثر الجلطات والفوالج وتتعب الغدد فيحدث الداء السكري عدا عن تعب الكلى بتكليفها فوق طاقتها من عمليات تصفية الدم وطرح الفضلات ، هذا عدا عما ذكرناه من تمدد المعدة وآفات الجهاز الهضمي (12) .

إن كثرة الأكل والشرب يعقبها كسل في النفس وبلادة في الفكر وميل إلى النوم الذي هو خسارة ومضيعة لأوقات يمكن أن تكون نافعة في دنيا الإنسان وآخرته (9) .

يقول القاضي عياض :إن كثرة الأكل والشرب دليل النهم والحرص ، والشره مسبب لمضار الدنيا والآخرة جالباً لأدواء الجسد وخثارة النفس (ثقلها وعدم نشاطها ) .

يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه : الشبع يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة .

وقد أكدت أبحاث نشرتها المجلة الطبية العربية (9) أن الإفراط في التغذية عند الأطفال واليفع علاوة على زيادة الوزن إلى النضج المبكر والذي يؤدي إلى البلوغ .

وتحصل البدانة نتيجة الإفراط في تناول أنواع الطعام المختلفة وخاصة عند أبناء الطبقة المترفة وأصحاب الوظائف الكسولة ، وهي تؤهب لحدوث أمراض خطيرة في القلب والذبحة الصدرية والداء السكري وارتفاع الضغط الدموي وتصلب الشرايين وغيرها .

فعلى المسلم أن يعتدل في طعامه وشرابه وأن يحافظ على وزنه المثالي قدر المستطاع وخاصة إذا كان عنده استعداد وراثي للسمن .

فعلى هؤلاء أن يضعوا برنامج خاصاً لطعامهم (12) فيحددوا ما يأكلوه من نشويات وسكريات ، ويمتنعوا قدر الإمكان عن تناول المواد الدهنية ذات الحموض المشبعة كالدهن والشحم والسمن ، ويستبدلوا بها مواد دهنية غير مشبعة كزيت الزيتون وزيت الذرة أو دوّار الشمس ، وأن يكثروا في طعامهم من السلطات والخضار ويمكنهم تناول ملعقة كبيرة من النخالة أو خل التفاح قبل الطعام ، ويستبدوا بالسكر السكارين للتحلية ويأكوا الخبز الأسمر وأن يكثروا من صيام النفل فيكون لهم به خيري الدنيا والآخرة .

وأحب أن أشير هنا إلى أن معتاد الإسراف في الطعام يحتاج إلى التدرج في تقليل وجبته حتى يعود إلى حد الإعتدال (9) ، ولقد أشار الإمام الغزالي (11) إلى ذلك حين قال : " فمن اعتاد الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم يحتمله مزاجه وضعف وعظمت مشقته ، فينبغي التدرج إليه قليلاً قليلاً فينقص بمقدار قليل متزايد من طعامه المعتاد " .
وهناك أمراض تنجم عن الإسراف في تناول مادة غذائية معينة (بروتين ، دسم ، سكر ) لفترة طويلة . فالإسراف في تناول السكر الأبيض وما يصنع منه من حلويات يضر بالجسم ضرراً بالغاً وذلك للميل العجب في السكر للاتحاد بالكلس . فعندما يزيد الكلس في الدم إلى أن يعوض ما فقده منه فيأخذه من العظام والأسنان مما يؤدي إلى نخر أيضاً . وإن الإفراط في تناول النشويات عموماً يؤدي إلى البيلة السكرية وإلى تحول الفائض منها إلى شحوم (البدانة ).
|أما الإفراط في تناول الدسم فإنه يؤدي إلى تخلون الدم وإلى فرط دسم الدم وشحوم البدن مما يؤدي إلى البدانة وإلى تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وتشحم الكبد وإلى العديد من آفات القلب الخطيرة .

أما الاسراف في تناول البروتينات من لحم وبيض وحليب وسواها فإن فضلاتها السامة تتراكم في البدن وتعرضه للإصابة بالرمال الكلوية ، أو بالإصابة بالنقرس (داء الملوك ) ، وإلى قصور الكلى وارتفاع الضغط وتصلب الشرايين أيضاً .



الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب

غسل اليدين قبل الطعام وبعده :

يستحب للمسلم غسل اليدين قبل الطعام وبعده لحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده " رواه أبو داود والترمذي ضعفه الأرناؤوط

وقد فسر العلماء وضوء الطعام بغسل اليدين .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده " رواه أبو داود والترمذي.
وقد فسر العلماء وضوء الطعام بغسل اليدين.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عنه وسلم يقول : " من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع " رواه ابن ماجه والبيهقي .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه " والغمر : ريح اللحم وزهومته " رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح

وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه " .
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه " والوضح : البرص رواه الطبراني بإسناد حسن.

ولا تخفى الحكمة الصحية من هذا الهدي النبوي (16) ففي حياة الإنسان اليومية كثيراً ما يصافح شخصاً مريضاً أو حاملاً لجراثيم ممرضة أو يلمس أشياء ملوثة بجراثيم خطيرة فهو يجلس لطعامه غير عالم أن بين أنامله
الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب

خطراً كامناً ينتظر ذلك الطعام فيلوث لقمة يبلعها ليصاب بذلك المرض وأكثر الأمراض انتشاراً عن ذلك الطريق هي الكوليرا والتيفوئيد و الزحار . هذا وإن الجلد (17) يحتوي على سطحه على أثلام وأخاديد، وإن ما يفرزه من دهن وعرق يساعد تلك الجراثيم وبيوض الطفيليات بالجلد وحفظها بين ثناياه .

ويأتي الهدي النبوي بالأمر بغسل اليدين قبل الطعام متوافقاً مع بدهيات الطب الحديث الوقائي ليسلم طعامه من عوامل التلوث والمرض . أما غسل اليدين ضمن حرارة الجسم وسطاً ملائما لتكاثر الجراثيم واستحالتها إلى خطر داهم وهذا الخطر هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه التي أوردناها .

ويعلق د. إبراهيم الراوي (17) على قوله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن يكثر خير بيته " .

إن غسل اليدين قبل الطعام يدخل البركة على الإنسان كما قال الصادق المصدوق عليه السلام ، وأن البركة هنا هي ـ بركة العافية ـ وهي الكنز الذي لا يفنى والكرم الإلهي الذي لا يقدر بثمن . وأن غسل اليدين قبل الطعام إجراء حاسم للوقاية من الفقر كما ورد في الأثر " الوضوء قبل الطعام بركة وينفي الفقر وبعده ينفي اللمم " .
جلسة الطعام في الهدي النبوي :
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : " لا آكل متكئاً " رواه البخاري.

وعن أنس رضي الله عنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مقعياً يأكل تمراً " رواه مسلم .

وقد ورد عن أبي بن كعب في صفة طعام النبي صلى الله عليه وسلم :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجثو على ركبتيه وكان لا يتكئ " .
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا للضحى أتي بتلك القصعة وقد ثرد عليها فالتفوا حولها ، فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أعرابي : ما هذه الجلسة ؟ فقال : صلى الله عليه وسلم : " إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً ، ثم قال : كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها " . وجثا يجثو: جلس على ركبتيه .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : " لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان قط وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات " رواه البخاري، وفي رواية للترمذي : قيل لقتادة فعلام كانوا ياكلون ؟ قال على السفر ، والسفر : جمع سفرة وهو ما يوضع علىالأرض ليؤكل عليه .

قال ابن القيم (6) : وقد فسر الاتكاء بالتربع ، وفسر بالاتكاء على الشيء وهو الاعتماد عليه وفسر بالاتكاء على الجنب.

والأنواع الثلاثة من الاتكاء : فنوع منها يضر وهو الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام عن هيئته ، ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة فيضعها فلا يستحكم فتحها للغذاء . وأما النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " آكل كما يأكل العبد " . وكان يأكل وهو مقع ، والإقعاء أن يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر القدم اليمنى . وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي .وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد التي تحت الجالس فيكون المعنى : أما إذا أكلت لم أقعد مكئاً كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطعام ، لكني آكل بلغة كما يأكل العبد .

ويرى د. إبراهيم الراوي (18) أن الجهاز الهضمي يحتاج إلى كمية كبيرة من الدم ليستطيع القيام بما يلزم لاستقبال الطعام الوارد والتهيؤ لهضمه لذا كان الإجراء الطبي الصحيح لذلك وجوب الجلوس وثني الساقين تحت الجسم لحصر الدم في منطقة الجهاز الهضمي، مع الساق اليسرى منثنية واليمنى مرتكزة على القدم لجعل المعدة حرة طليقة بعيدة عن أي ضغط مسلط باتجاهها من الخارج . وهذا هو أصح حالة لعمل الجهاز الهضمي كما يجب الامتناع عن الحركة والسير أثناء الطعام لمنع ذهاب الدم إلى العضلات في وقت يكون جهازه الهضمي في أمس الحاجة إليه .

وهذا الوضع " جلسة الطعام " التي طبقها أستاذ البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أصح وأسلم في حالة الجلوس على الأرض حول السفرة من استعمال الكرسي حول مائدة الطعام .
وحول الأكل متكئاً يقول د. الراوي أن الاتكاء يسبب التشنج والاضطرابات والتقلص في عضلات البطن فلا تستطيع المعدة استقبال الطعام بشكل صحيح . ولأن المعدة تكون بوضعها الصحيح في حالة انتصاب الجذع وارتكازه على الأرض دون لجوئه إلى الارتكاز الجانبي في حالة الاتكاء .
أما د. غياث الأحمد فيرى أن الجلوس على المقعد (التربيع ) يؤدي إلى انبساط المعدة وإلى تأخذ المعدة مجالاً واسعاً فتزيد قابليتها لأخذ الطعام والمزيد منه . أما الإقعاء بنصب الساقين أو أحدهما مما يضيق حيز المعدة ويقلل اتساعها مما يؤدي بها إلى الامتلاء بمقدار أقل من الطعام حيث يشعر المرء بالشبع بآلية انعكاسية فيقل مطعمه ولا يصاب بالتخمة .


التسمية قبل الطعام والأكل باليمين مما يلي الأكل :

عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " رواه البخاري .
عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب رسول الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ؟ قال : " لعلكم تفترقون ؟ قالوا : نعم .قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " أخرجه أبو داود وابن ماجة والإمام أحمد وهو حديث ضعيف (الأرناؤوط).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال" رواه مسلم وفي رواية له عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قوله صلى الله عليه وسلم وفي رواية له عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم :" إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ".

وعن سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له صلى الله عليه وسلم : " كل بيمينك قال : لا أستطيع ، ما منعه إلا الكبر فقال صلى الله عليه وسلم : لا أستطعت قال سلمة : فما رفعها إلى فيه " رواه مسلم .

ومن حديث طويل رواه عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقصعة قد ثرد فيها فقال عليه الصلاة والسلام :" كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها " وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه " رواه البخاري .

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافته ولا تأكلوا من وسطه " أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح.

التسمية أو الطعام تربط المسلم بالرزاق المنعم وتخلق فيه حالة من الطمأنينة تذكره بأن الرزق من عند الله ولا شك أن الذي يأكل وهو بحالة نفسية من الراحة والرضا فإن تمثل الطعام في بدنه ومن ثم فإن استفادته منه تكون أعظم مما لو كان قلقاً متوتراً أثناء تناوله لطعامه (16) .

فالتوتر والقلق يؤديان إلى عسر الهضم وإلى عدد من أمراض السبيل الهضمي والتي تقلل الاستفادة من الطعام المتناول .

وأما تخصيص اليد اليمنى (16) للأمور الكريمة من أكل وشرب ومصافحة وغيرها ، وتخصيص اليسرى للأمور المستقذرة من استنجاء ورمي للأقذار فهو ولا شك تنظيم نبوي كريم يمكن اعتباره من أسس النظافة والصحة الشخصية ، وينسجم مع مبادئ الطب الوقائي الحديث للوقاية من العدوى وتقليل عوامل سراية المرض .
أما أن يأكل المرء مما يليه من قصعة الطعام فهو ولاشك هدي نبوي إلى خلق كريم تتجمل به الجماعة المسلمة وينم عن أدب اجتماعي جم رفيع هو من تعاليم من وصفه المولى مخاطباً أياه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .

ولعل من حكمته أنه يقلل خطر انتقال الأوبئة فيما لو كان بعض الآكلين حملة لجراثيم مهمة

( منقول للأمانه )

كيف نستقبل شهر رمضان




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى اله وصحبه وبعد :
لقد اقبل شهر الرحمات والغفران والعتق من النيران ، لقد أقبل شهر الصيام القران والقيام فكيف لنا أن نستقبل شهر أعطيت الامة فيه من الخصال ما تعط في شهر غيره
رَوَى الإِمامُ أحمدُ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «أُعْطِيَتْ أمَّتِي خمسَ خِصَال في رمضانَ لم تُعْطهُنَّ أمَّةٌ من الأمَم قَبْلَها؛ خُلُوف فِم الصائِم أطيبُ عند الله من ريح المسْك، وتستغفرُ لهم الملائكةُ حَتى يُفطروا، ويُزَيِّنُ الله كلَّ يوم جَنتهُ ويقول: يُوْشِك عبادي الصالحون أن يُلْقُواْ عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتُصفَّد فيه مَرَدةُ الشياطين فلا يخلُصون إلى ما كانوا يخلُصون إليه في غيرهِ، ويُغْفَرُ لهم في آخر ليلة، قِيْلَ يا رسول الله أهِيَ ليلةُ القَدْرِ؟ قال : لاَ ولكنَّ العاملَ إِنما يُوَفَّى أجْرَهُ إذا قضى عَمَلَه».انظروا أيها الإخوة الأكارم الى هذا العطاء والكرم الرباني في هذا الشهر المبارك
وفي الصحيحينِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: «مَنْ صَامَ رمضان إيماناً واحْتساباً غُفِرَ لَهُ ما تقدَّم مِن ذنبه» يعني : إيماناً باللهِ ورضاً بفرضيَّةِ الصَّومِ عليهِ واحتساباً لثَوابه وأجرهِ، لم يكنْ كارِهاً لفرضهِ ولا شاكّاً فيَ ثوابه وأجرهِ، فإن الله يغْفِرُ له ما تقدَم من ذنْبِه.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «الصَّلواتُ الخَمْسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ مَا بينهُنَّ إذا اجْتُنِبت الْكَبَائر .
فكيف نستقبل هذا الشهر العظيم ؟ 


1- نستقبله بالتوبة الى الله الرءوف الرحيم التواب ، ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : \" لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح .
ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين حيث قال : وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي , وأمه خلفه تطرده حتى خرج , فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , ولا من يؤويه غير والدته , فرجع مكسور القلب حزينا . فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام , وخرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه , والتزمته تقبله وتبكي وتقول : يا ولدي , أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟ ألم اقل لك لا تخالفني , ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك . وإرادتي الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت .
فكيف فرحة الله بتوبة عبده ؟ تخيل ذلك في نفسك .
2- استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على الصيام لان تجديد النية أمر مهم فبعض الناس تعود على الصيام ولم يستشعر الاجر والثواب المترتب على الصيام ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. قال الحافظ ابن حجر في \" فتح الباري\": المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى. وقال الخطابي: احتسابا أي: عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه. اهـ. وقال المناوي في \" فيض القدير\": من صام رمضان إيماناً: تصديقاً بثواب الله أو أنه حق، واحتساباً لأمر الله به، طالباً الأجر أو إرادة وجه الله، لا لنحو رياء، فقد يفعل المكلف الشيء معتقداً أنه صادق لكنه لا يفعله مخلصاً بل لنحو خوف أو رياء. وقال الإمام النووي: معنى إيماناً: تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً، أنه يريد الله تعالى لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص.

3-
 استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على القيام في هذا الشهر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه ، فالاهتمام بالمحافظة على صلاة التراويح مع الامام حتى ينصرف من أفضل الاعمال ففي حديث ابي ذر ان النبي قال : من قام مع الامام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. رواه ابو داود وغيره. فهي نصيحة بالمحافظة على القيام مع الامام حتى ينصرف ولا يتهاون بان يصلي اربع ركعات ثم يذهب فبتالي لا يحصل على الاجر المترتب على القيام مع الامام حتى ينصرف وبالتالي كم ضيع من ثواب واجر عظيم على نفسه بسبب تفريطه وتسويفه وكسله ولو اراد ان يصرف شيكا لنتظر ساعة وساعتين في الانتظار ولو كانت عرضه في زواج لجلس يرقص الليل كله (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وابقى ) .
4- الابتعاد عن تضييع أيامه بالنوم ولياليه بالسهر فمن كان هذا ديدنه فلم يستفد من شهره شيئا بل لربما كان وبالا عليه .
5- الحرص على افطار الصائمين فعن زيد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( من فطر صائما كان له مثل أجر صومه غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء )) 0 رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح 0 (غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شئ) استدراك لما قد يتوهم من أن إثابته كذلك تنقص ثواب الصائم وإنما لم تنقص إثابته بذلك إثابة الصائم لاختلاف جهة ثوابهما , كما لا ينقص ثواب الدال علي الهدى ثواب فاعله ، ويتلمس المحاويج والفقراء ويعطف عليهم ولاسيما الايتام فالرسول صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والتي تليها .

6- الاكثار من تلاوة القران الكريم وتدبره معانيه وتمعنه فعن عثمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرأن و علمه .
عن أبي أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه” رَوَاهُ مُسلِمٌ. فلقد عرض جبريل القران على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفي السنة الاخيرة قبل موته عليه السلام مرتين فلذا كان السلف يختمون القران كل ثلاث ليال وفي العشر الاخيرة كل ليلة يا لها من همم عظيمة عرفت الدنيا والآخرة ففضلت الاخرة على الاولى قال تعالى (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى) سورة الضحى .

7- حفظ اللسان وبقية الجوارح عن الحرام فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . وان هذه الاشياء صيام الصائم في الصحيح من أقوال أهل العلم لكنها وبدون شك تنقص من أجر الصائم ، فينبغي الابتعاد عنها وتوقيها .

8- نستقبل شهر رمضان بحسن الخلق مع الناس كلهم ولا سيما المراجعين لمعاملاتهم ولا نجعله شهر هم وحزن وطفش ، وجعل الشماغ يميط به على فمه وانفه ويقول انا صائم ، ويقصر في علمه الذي أوكل اليه من قبل ولي أمر المسلمين أو أنه يقرأ القران في عمله ويقول شهر القران ويقول للمراجعين أذا شربنا الماء بعد العيد راجعوان فهذا آثم في عمله وغير مأجور ، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.رواه أبو داود وحسنه الألباني ـ رحمهما الله تعالى.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان من أحبكم الي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ) رواه الترمذي وحسنه الالباني .

9- ومما يستغل في هذا الشهر الاكثار من الدعاء لأنه شهر الدعاء فأتت ايه الدعاء بين ايات الصيام ليدل دلالة واضحة على أهمية الدعاء .
والدعاء له فضل عظيم :
قال تعالى :(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وقال تعالى :(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ).
وقال صلى الله علية وسلم : الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ).
وقال صلي الله علية وسلم :أفضل العبادة الدعاء.
وقال صلي الله علية وسلم :ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء .
وقال صلى الله علية وسلم :إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرأُ خائبتين .
وقال صلى الله علية وسلم :لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر.

10- الاعتناء بالعشر الاواخر من رمضان بمزيد عبادة حيث فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وكان من ديدن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشد مئزره ويعتزل اهله ويحيي ليله كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها .


أخوكم امام وخطيب جامع العروة الوثقى / مستور بن سعود السلمي